المصارعة النسائية تنتشر في جنوب العراق
أليس فوردهام
في الجنوب العراقي، حيث المجتمع مُحافظ، والنساء بسيطات، وكبار السنّ يَحظون بالاحترام، ويومُ الجمعة يعني أولاً وقبل كل شيء الذهابَ إلى المساجد، ظلّ الوضعُ على هذه الحال إلى أن حلّ فيه حامد الحمداني.
حامد الحمداني هذا، وهو بطل سابق في المصارعة، وحائز على لقب «مدرب العام» الوطني خمسَ مرات، قرّر قبل سنة مضت أن يتحدّى التقاليد مستلهماً في ذلك صورَ المُصارعات اللواتي شاهدَهن في بطولات دولية، وقد ساهم في تأسيس أول نادٍ للمصارعة الحرّة للسيدات العراقيات في مدينة الديوانية، لتُُضاف هذه الخطوة إلى إنجازاته.
على هذا الأساس، تتوافد إلى النادي حوالي 20 فتاة بينهنّ طالبات، يوميّ الجمعة والسبت من كل أسبوع، ويخلعنَ عباءاتهنّ لمباشرة تدريباتهنّ على فنون القتال، ما أثار دهشة السلطات المحلية في البداية، وأصبح اليوم موجةً تنتشر بخُطى ثابتة في أرجاء العراق.
وفي ذلك تقول عضوة النادي مَسار هاشي 21 سنة وهي طالبة في السنة الثالثة بكلـّية للتربية البدنية، إنها إصدارٌ جديد للمصارعة النسائية لم يشهده العراق من قبل، وإن المنهاج الأكاديمي لدى المعهد نَظَريّ بَحتْ وأن حياة المرأة رَهن بقيود تكبّل نشاطَها.
وترى نوال الحسناوي، وهي أم لثلاث بنات احترفنَ المصارعة، أن النادي يتيح للمرأة فرصة إثبات وجودها في المجال الرياضي.
وقد تولـّت الحسْناوي، وهي معلمة أولى متقاعدة، إدارة النادي منذ تأسيسه على يديّ حامد الحَمْداني، ويزداد يوماً بعد يوم عدد الفتيات اللواتي ينتسبنَ إليه، على الرغم من اعتراض بعض المسؤولين على الفكرة.
تقول مَسار هاشي إنها واجهت بعضَ الصعوبات مع معلمتها، التي تعترض من حيث المبدأ على امتهان فتيات لعبة المصارعة. وتصف فـَها النايلة، 18 سنة، القولَ السائد على نطاق واسع بأن المصارعة منافية للإسلام بأنه بلا أساس. فيما تذكر الحَسْناوي أنها وبناتها كثيراً ما يتعرضنَ لتعليقات في الشوارع وداخل الجامعة بأن المُصارعة غريبة على المجتمع، كما يقول عنها اتحاد المُصارعة العراقي بأنها «حرام».
وعلى ذلك يردّ حامد الحمداني بقوله إنه والمُصارعات مسلمون ملتزمون، وإنهن يُصارعن وهن يرتدين الحجاب أو ألبسة تستر أجسادهن. وتلاحظ الفتيات أن التغطية الإعلامية لإنجازاتهنّ دفعتْ باتجاه تقبّل المجتمع الفكرة بالتدريج.
وساهمت التغطية الإعلامية أيضاً في ظهور عدد من فرق المصارعة النسائية العامَ الماضي، منها اثنان في بغداد، وثالث في المنطقة الكردية، ورابع في مدينة كربلاء الشيعية. ولقد استضافها نادي الديوانية جميعاً ضمن بطولة نظّمَها الصيف الماضي.
«كانت البطولة ناجحة بكافة المقاييس» يقول الحَمْداني، صحيح أن المسؤولين في مجلس المحافظة قاطعوها في البداية، لكنهم ما لبثوا أن بدأوا بالتوافد عليها ليجدوا أن المشاركات فيها كنّ يرتدينَ ثياباً تغطي أجسامهنّ، وقد حضرت المناسبة حشود من الجنسَين والصحافيين ووسائل الإعلام الأخرى.
وفيما يسعى حامد الحمداني إلى إشراك فريقه في بطولات خارجية في تركيا وسورية، ويتوقع أن يحرز المرتبة الأولى أو الثانية. تُجمع عضوات الفريق على غاية واحدة هي إحرازُ ميدالية أولمبية باسم العراق.
ويرى عضو اللجنة الأولمبية العراقية، محمد السيّد، أن القبول الذي يلقاه اعتلاء المرأة حلبة المصارعة يُُعتبَر دليلاً نادر الحدوث على تشجيع الرياضة النسائية في الوقت الذي تدهورت فيه الرياضة العراقية، وخصوصاً النسائية، حتى كادت تندثر.
يُذكر أنه على إثر الغزو الذي تعرّض له العراق العام 2003 والمقاومة التي واجهها، برزت في أنحاء متعددة من البلاد مجتمعات مُحافظة وأكثر تمسكاً بالدين مما كانت عليه في عهد صدام حسين.
ويقول حامد الحمداني إنه بسبب الوضع الأمني والأحزاب الدينية، ينتاب البنات العراقيات خوف شديد من الخروج من بيوتهن في المساء، الأمر الذي يحول إلى درجة كبيرة دون مشاركتهن في الأنشطة الرياضية.